📁 آخر المقالات

"التلميذ الكسول يشكر الأستاذ الكسول": تحليل لعلاقة تربوية هدّامة

معلم وتلميذ في حالة خمول داخل الفصل الدراسي، مما يرمز إلى العلاقة السلبية بين الأستاذ الكسول والطالب الكسول.

تتردد في الأوساط التربوية مقولة شعبية عميقة الدلالة تقول: "من يشكر الأستاذ؟ التلميذ الكسول". هذه العبارة ليست مجرد حكمة عابرة، بل هي مرآة تعكس خللاً خطيراً قد يصيب جوهر العملية التعليمية، وتكشف عن علاقة تواطؤ غير معلنة بين طرفين يفترض بهما أن يكونا على طرفي نقيض في ميدان العلم والتحصيل.

ما هو المعنى الحقيقي للمقولة؟

تكمن قوة هذه المقولة في قدرتها على تشخيص علاقة سلبية تنشأ بين مُعلِّم غير فاعل وتلميذ يفتقر إلى الدافعية. فالتلميذ الكسول يجد في الأستاذ الذي لا يبذل جهداً في الشرح والمتابعة والتقييم حليفاً مثالياً له. هذا "الشكر" ليس امتناناً حقيقياً للعلم والمعرفة، بل هو تعبير عن الارتياح والرضا عن حالة الخمول التي يوفرها له هذا المعلم، حيث لا يُطالب بجهد ولا يُحاسب على تقصير. في المقابل، المعلم الفعّال هو الذي يستنفد طاقته في سبيل تحفيز هذا التلميذ وإخراجه من دائرة الكسل، وهو الجهد الذي قد لا يلقى استحساناً فورياً من التلميذ، ولكنه يثمر نجاحاً وتقديراً في المستقبل.

الجذور والأصل التربوي

لا تُعتبر هذه المقولة مثلاً قديماً بقدر ما هي خلاصة تجارب وملاحظات واقعية من داخل الفصول الدراسية. أصلها ينبع من ملاحظة أن المعلم الذي يتهاون في واجباته - كأن لا يحضّر درسه جيداً، أو لا يبتكر في أساليب شرحه، أو يتغاضى عن متابعة الواجبات - يخلق بيئة مثالية لنمو اللامبالاة لدى الطالب. هذه البيئة تجعل التلميذ الكسول يشعر بالأمان، فهو لن يُكشف ولن يُجبر على العمل، مما يولد لديه شعوراً بالامتنان الزائف تجاه هذا المعلم الذي أراحه من عناء التعلم. بينما الشكر الحقيقي هو الذي يقدمه الطالب للمعلم الذي أنار طريقه ودفعه لتجاوز صعوباته، حتى لو كان ذلك شاقاً عليه في البداية.

الأبعاد التربوية الخطيرة

تحمل هذه العلاقة في طياتها أبعاداً تربوية خطيرة تهدد مستقبل الطالب ورسالة المعلم على حد سواء.

  • بالنسبة للمعلم: يُعتبر هذا السلوك خيانة لرسالة التعليم المقدسة التي أساسها الأمانة والإخلاص في بناء العقول. فالمعلم الذي يرضى بهذه العلاقة يتخلى عن دوره كمرشد ومحفز.
  • بالنسبة للتلميذ: يُحرم الطالب من فرصة اكتشاف قدراته الحقيقية وتطويرها. فالاعتياد على الكسل والراحة في بيئة تعليمية متساهلة يغرس فيه قيماً سلبية قد ترافقه طوال حياته المهنية والاجتماعية.
  • بالنسبة للمنظومة التعليمية: يؤدي انتشار هذه الظاهرة إلى إفراغ الشهادات من قيمتها الحقيقية، وتخريج أجيال غير قادرة على مواجهة تحديات الحياة والمساهمة في بناء المجتمع.

في الختام، تعمل هذه المقولة كجرس إنذار للمعلمين والتلاميذ على حد سواء. فهي تذكرنا بأن الاحترام والتقدير الحقيقيين لا يُبنيان على التواطؤ والتهاون، بل على الجد والاجتهاد والعطاء الذي لا ينتظر مقابلاً. فالمعلم العظيم هو الذي يترك أثراً في حياة تلاميذه يدفعهم لشكره بصدق وامتنان بعد أن يدركوا قيمة الجهد الذي بذله من أجلهم.

محمد بوداني
محمد بوداني
أستاذ متخصص في التاريخ والجغرافيا بخبرة تزيد عن 22 عامًا في ميدان التعليم. مؤلف كتاب "مصباح: أضئ عقلك وحول التعلم إلى مغامرة"، ومؤسس مدونة Taalim Hub ومجتمع مصباح. شغفي هو تبسيط العلوم وجعل التعلم رحلة ممتعة وملهمة. أشارك هنا استراتيجيات عملية وتقنيات حديثة لمساعدة الطلاب وأولياء أمورهم على تحقيق النجاح الدراسي وبناء مستقبل مشرق.
تعليقات