في يومٍ صيفي حار قبل امتحان شهادة التعليم المتوسط بأسبوع، التقيتُ بتلميذي علي الذي كان منشغلًا إلى حد كبير بتجهيز أوراقه وترتيب مراجعاته. بدا عليه بعض التوتر، لكنه في الوقت ذاته كان واثقًا بخطّةٍ منظّمة عمل عليها منذ أسابيع، تضمّنت كل الدروس من دون نقصان ولو عنصر واحد. حينئذٍ أدركت كم هي مهمّة قصة هذا الجدول الدراسي المليء بالتفاصيل الصغيرة والكبيرة، والأهم هو المكانة الخاصّة للتحضير النفسي الذي يمهد الطريق للنجاح.
لماذا التحضير النفسي مهم؟
قد تتساءل: “لماذا كل هذا الحرص على الحالة المزاجيّة والنفسيّة قبل الامتحانات؟” والحقيقة أنّ الخوف وحده كفيل بعرقلة كل جهود المراجعة والحفظ، حتى لو كانت الدروس متقنة. تشير دراسة أعدّتها جامعة كامبريدج (University of Cambridge) عام 2020 أنّ الطلاب الذين اكتسبوا مهاراتٍ في إدارة القلق قبل الامتحان حقّقوا تحسّنًا بنسبة 15% في نتائجهم. لذا، التخلّص من الخوف يبدأ بالقضاء على أسبابه، وأوّل هذه الأسباب هو عدم الثقة بسبب ضعف فهم الدروس أو عدم إتمامها. هنا ستكتسب ثقة كبيرة بنفسك عندما تتأكّد أنّك لم تُسقط أي تفصيل مهم من دروسك.كيف تواجه النسيان؟
النسيان عادةً ما يطرق الباب عندما نُهمل التنظيم، أو عندما نسمح للمشاكل العائلية أو الاجتماعية باكتساح أوقات المراجعة، أو حتى إن كنّا معتمدين دائمًا على الحفظ قصير المدى بدراسة محتوى فصل دراسي واحد فقط في كل مرة. الآن وقد صرنا نراجع كل الدروس، فمن الضروري تجنّب المسبّبات كافة: الخوف، سوء التخطيط، والتشتّت. يقول عالم النفس التربوي الدكتور "إيلين لي" في كتابه "سيكولوجية النجاح الدراسي": "عندما يتخلّص الطالب من الخوف والتركيز المشتّت، يصبح النسيان مجرّد مرحلة مؤقتة يمكن تجاوزها بالالتزام والمثابرة."الخطّة الواقعية للمراجعة والتهيئة النفسية
ضع برنامجك الخاص:لا تعتمد على جداول الآخرين حتى لو كانوا من المتفوقين؛ فلكلٍ منّا نمط تعلّم مختلف وظروف خاصة. المنطقي أن تأخذ الأفكار العامّة التي تلائمك من برامج مختلفة، ثم تصوغ برنامجًا شخصيًا يلائم وقتك وقدراتك، مع الحرص على ألّا يكون مكثّفًا وقاسيًا فتُرهِق نفسك.النوم والراحة:يكفي أن ننظر إلى توصيات الكثير من الدراسات الطبيّة التي تؤكّد ضرورة الحصول على 8 ساعات نوم يوميًا، فهذه الساعات كفيلة باستعادة نشاط الدماغ وتعزيز قدرة التركيز واستقبال المعرفة.
التنويع في المذاكرة:قد تبدأ صباحًا بمراجعة مواد مثل التاريخ والجغرافيا والتربية المدنية، ثم تنتقل لمادة أساسيّة كالرياضيات أو العلوم، وبعدها تدرس إحدى اللغات، وأنهِ يومك ببعض التمارين التطبيقية. هذا التنويع يُشعر عقلك بالتجديد، ويُبعد الملل الذي يمكن أن يتسلل إليك.
الاسترخاء والتركيز الذهني:
• تنفّس بعمق، وتخيّل نفسك في قاعة الامتحان مرتاحًا وواثقًا، وكأن الأفكار تتدفق إليك كلّما احتجت إليها.
• موقع Verywell Mind (https://www.verywellmind.com) يقدّم العديد من الأساليب والتمارين المخصّصة للاسترخاء وضبط التوتر.
• أثناء المراجعة، كن حاضر الذهن: لا تفكّر إلّا في المادة التي تذاكرها، وانس باقي الأمور لحين الانتهاء.
الملخصات والمخططات الذهنية:
• تلخيص المعلومات في أوراق بيضاء أو استخدام المخططات الذهنية، مثل رسم خريطة للأفكار (خريطة ذهنية) أو خطوط متفرّعة ترتبط بالنقاط الرئيسة. هذه الأساليب تساعد في حفظ المعلومات واسترجاعها بسرعة.
• إذا واجهت صعوبة في درس معيّن (مثل درس "الحركة الوطنية واتجاهاتها" في التاريخ)، لا تتجاهله؛ أكمل مراجعة باقي الدروس، ثم عد إليه لاحقًا للاستزادة من مصادر أخرى، سواءً عبر فيديوهات يوتيوب أو محاضرات مسجّلة من الأساتذة.
الدعم العائلي والاجتماعي:إذا كانت لديك مخاوف أو تساؤلات، لا تتردّد في سؤال عائلتك أو أصدقائك الذين سبقوك في اجتياز هذه المرحلة. ضغوط الامتحان قد تبدو هائلة إذا عشتها بمفردك، لكن حديث بسيط مع شخص مقرّب يخفّف الكثير من العوائق النفسيّة.
الرياضة والتغذية:
• ممارسة الرياضة الخفيفة بانتظام (مثل المشي أو الركض البسيط أو حتى بعض تمارين التمدد) يُسهم في تقليل القلق وتحسين المزاج.
• حيث ينصح خبراء التغذية بالحفاظ على وجبات خفيفة غنيّة بالطاقة، مثل الجوز وسمك التونة والخضراوات الورقية كالسبانخ، مع شرب كميات كافية من الماء.
المراجعة النهائية والمرحلة الختامية:
قبل الامتحانات بأيام قليلة، قم بمراجعة نهائية للمواد، يشمل ذلك حلّ مواضيع السنوات السابقة؛ لتكوّن فكرة أشمل عن طبيعة الأسئلة وتضبط زمن الإجابة. لكن من المهم ألّا تبالغ في المراجعة حتى آخر لحظة؛ من الأفضل أن تتوقف أو تخفف منها قبل يومين من الامتحان، لتستعيد هدوءك وترتيب أفكارك.يوم الامتحان نصائح عملية:
• جهّز أدواتك في الليلة السابقة، ونَم باكرًا للحصول على طاقة كافية.• تناول فطورًا مغذيًا وخفيفًا في الوقت نفسه، حتى لا تشعر بالتخمة.
• عند الوصول للمركز، حاول أن تبتسم وتستمتع بوقتك، وتجنّب مناقشة تفاصيل المادة أو هاجس صعوبة الأسئلة مع زملائك.
• تذكّر أنك أمام اختبار يشبه اختباراتك السابقة؛ والنجاح فيه يعتمد على هدوئك وتركيزك.
• ابدأ بالأسئلة السهلة، ولا تُشتّت انتباهك بما يفعله الآخرون.
• إذا شعرت بالارتباك، خذ نفسًا عميقًا أو ردّد أدعية قصيرة تبعث على الطمأنينة، مثل: “لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا.”
• احرص على قراءة الأسئلة بعناية، وافهم المطلوب من كل سؤال دون عجلة، وبالأخص الأسئلة التي تبدو صعبة.
• دوّن ما يخطر في بالك من أفكار على ورقة المحاولة، ثم رتّبها وصغها في ورقة الإجابة؛ كي لا يُداهمك الوقت.
• لا تفكّر مجدّدًا في الإجابات بعد خروجك من القاعة؛ استمر في التركيز على باقي المواد القادمة.
خلاصة التجربة:
إنّ التحضير النفسي لا يقلّ أهمية عن الحفظ والفهم؛ فالثقة تبدأ من تعاملك مع مخاوفك، والتخلّص من المشتتات الداخلية والخارجية على السواء. يقول الخبراء في منصة Edutopia إنّ “التخطيط الجيّد، والتهيئة النفسية، والالتزام بالبرنامج الشخصي” هي مفاتيح ذهبية يملكها كل طالب، متى ما عَرف كيف يستثمرها. لذا، تعامل مع امتحان شهادة التعليم المتوسط كخطوةٍ طبيعية في مسيرتك الدراسية، والتجهيز له بنفسٍ مطمئنة وبقلبٍ واثق سيصنع فارقًا كبيرًا في أدائك ونتيجتك النهائية. أنت قادرٌ على تحقيق النجاح، فقط دع القلق جانبًا، وتذكّر أنّ قصّة علي وغيره من الطلاب المجتهدين يمكن أن تكون قصّتك أنت أيضًا!
التسميات
دليل التلميذ