إضراب التلاميذ في الجزائر: بين المطالبة بتخفيف المناهج والاتهامات بزعزعة الاستقرار



فهرس المقال

  1. مقدمة
  2. أسباب الإضراب: من ثقل البرنامج إلى منع الدروس الخصوصية
  3. المشهد العام للاحتجاجات: الفوضى ومقاطعة الدراسة
  4. الآثار التربوية والاجتماعية لإضراب التلاميذ
  5. دور الوزارة وأولياء الأمور والأطراف المختلفة في معالجة الأزمة
  6. حلول مقترحة لتخفيف المناهج وتقليص الساعات
  7. خلاصة المقال

1. مقدمة

هل يمكن أن نتخيّل مدارس جزائرية تتعطّل فجأة، وفضاءات تعليمية تتحوّل إلى ساحاتٍ للاحتجاج؟ هذا ما يحدث فعليًا في بعض الولايات والمدن الجزائرية، حيث انه منذ يوم 20جانفي 2025 و لليوم الثاني قرّر عدد كبير من التلاميذ مقاطعة الدراسة والخروج إلى الشارع للتعبير عن غضبهم. وعلى الرغم من أن الشعارات المرفوعة تركّز على مطالب بتخفيف المناهج وتقليص ساعات الدراسة، فإن ما يجري يتضمن جوانب أكثر تعقيدًا، بينها اتهامات متبادلة بإثارة الفوضى والحديث عن أطراف “خفيّة” قد تسعى إلى زعزعة الاستقرار في البلاد.

في هذا المقال، سنسلّط الضوء على جذور هذا الإضراب وأسبابه المباشرة، بما في ذلك منع الدروس الخصوصية الذي لفّ شرارة الاحتجاج بلهيبٍ جديدٍ. وسنناقش جوانب المشهد العام للاحتجاجات، بدءًا من تنظيم الآلاف من التلاميذ أنفسهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وصولًا إلى الجدل القائم بين مُتّهِمين لأطراف خارجية أو محلية بأنها تستغلّ الموقف لتحقيق أهداف بعيدة عن المصلحة التربوية. كما سندرس آثار هذا الإضراب على المنظومة التربوية والمجتمع ككل، خلاصةً بنظرةٍ إلى الحلول العملية لتخفيف ثقل البرنامج الدراسي وضبط الأمور بما يخدم التلميذ في المقام الأول.

2. أسباب الإضراب: من ثقل البرنامج إلى منع الدروس الخصوصية

2.1 حجم المناهج الدراسية وتشعّبها

يشكو الكثير من الطلاب من طول البرنامج الدراسي الذي “يستنزف وقتهم” ويجعلهم حبيسي ساعات مطوّلة من المذاكرة. هذا الكم المعرفي الضخم -كما يصفونه- لا يترك لهم مجالًا للراحة أو ممارسة الأنشطة الموازية التي تنمّي شخصياتهم. ويشير البعض إلى أن المنهج يحتوي على معلومات تفصيلية وحشو نظريّ صعب ربطه بالواقع، ما يفقده أهميته بالنسبة للطالب الذي يرغب في تعلّم ما هو مفيد وعمليّ.

2.2 تقليص ساعات الدراسة كحلّ منطقي

عديدون يؤكدون أن تقليص عدد الساعات خلال اليوم الدراسي قد يكون وسيلة لحل هذه المشكلة، بحيث يفسح مجالًا للمراجعة الذاتية والأنشطة التربوية التي تحفّز التفكير الإبداعي. لكن في الوقت نفسه، تثير هذه النقطة قلقًا لبعض المسؤولين الذين يرون أن تطبيقها لن يجدي دون إعادة هيكلة شاملة للبرامج الدراسية والدمج التدريجي للوسائل التقنية الحديثة.

2.3 القرارات الأخيرة بمنع الدروس الخصوصية

أصدرت وزارة التربية الوطنية الجزائرية -وفق ما تم تداوله إعلاميًا- قرارات تمنع تنظيم الدروس الخصوصية خارج الإطار الرسمي. هذه الخطوة أسهمت في رفع مستوى الاحتقان بين الطلبة وأولياء الأمور من جهة، وبعض المؤسّسات التربوية من جهة أخرى، إذ يعتبرها الطلاب “إغلاقًا لباب آخر” كان يتيح لهم مراجعة مركّزة أو تعويض ما قد يفوتهم. وبالنسبة للبعض، فإن هذا القرار مثّل الشعرة التي قصمت ظهر البعير، وجعلت التلاميذ “ينتفضون” على البرنامج الدراسي.

2.4 ضغط الامتحانات والخوف من الرسوب

يخشى الطلبة من تراكم الدروس وتواصل الضغط النفسي الناجم عن الاختبارات. دراسة أجراها “د. نور الدين بلعربي” بجامعة الجزائر في 2023 تشير إلى أنّ التوتر المتصاعد من كثافة المهمات المدرسية قد يُضعف قدرة التلاميذ على التحصيل؛ فتتبدّل مشاعرهم من الرغبة في النجاح إلى الخوف من الرسوب والقلق المرضي.

3. المشهد العام للاحتجاجات: الفوضى ومقاطعة الدراسة

لم تعد المسألة مقتصرة على امتناع طلاب عن دخول المؤسسات التربوية فحسب، بل تجاوز الأمر ذلك إلى إثارة الفوضى في بعض المناطق. ففي اليوم الأول من الإضراب، شوهدت أعدادٌ كبيرةٌ من التلاميذ ترفض الالتحاق بمقاعد المؤسسات التعليمية، بينما لجأ آخرون للتجمهر في الشارع رافعين لافتات تطالب بـ"المنهاج والحجم الساعي" في حركة احتجاجية قد تدوم لأيام.


3.1 تنظيم الحراك عبر مواقع التواصل الاجتماعي

يشير متابعون إلى أن آلاف التلاميذ تداعوا للإضراب عبر “فيسبوك” و”واتساب”، بعدما تناقلوا منشوراتٍ تشجّع على مقاطعة الدراسة مع وعود بالالتحاق بالجماهير في الشوارع. يرى البعض في هذا التحشيد عاملًا إيجابيًا يمكّن الشباب من التعبير عن صوتهم، بينما يتخوّف آخرون من سهولة استغلال هذه المنصات لتضليل التلاميذ أو تضخيم نقاط الاحتجاج بهدف خلق فوضى تخدم أجنداتٍ بعينها.

3.2 تعدد الاتهامات حول الجهات المحرّكة

في ظل اتساع رقعة الإضراب، تبادلت الأطراف التربوية والإعلامية الاتهامات بشأن من يحرّض الطلبة على النزول إلى الشارع. البعض يتهم جهات أجنبية تسعى إلى “زعزعة استقرار الوطن”، فيما يرى آخرون أن بعض الأساتذة أو الإداريين ومساعدي التربية قد يكونون ضالعين في تحفيز التلاميذ على الاحتجاج بغرض الضغط على الوزارة لأهداف مهنية أو شخصية. هذا المناخ المحتقن يضع الكثير من علامات الاستفهام حول الدوافع الخفية وراء التصعيد الحاصل.

3.3 دور الفئة العمرية للمراهقين في إشعال الاحتجاج

شدّدت إحدى الأخصائيات الأسريات، في تصريح صحفي، على أن التلاميذ المضربين لا يزالون في سن المراهقة ضمن الفئة العمرية 12 إلى 18 سنة. لذا، من غير الممكن التحكم الكامل في أفعالهم؛ فالمراهق يتميّز بعاطفةٍ متقلبة ورغبةٍ جامحة في التمرّد على أي سلطة يشعر بأنها تقيّده. من هذا المنطلق، دعت الأخصائية الأولياء إلى بذل جهود في إرشاد أبنائهم وتوجيههم نحو ما ينصبّ في مصلحتهم بعيدًا عن التصادم غير المحسوب مع المؤسسات التربوية.

4. الآثار التربوية والاجتماعية لإضراب التلاميذ

لا يخفى أن استمرار حالة الإضراب يعمّق أزمات المنظومة التربوية في الجزائر ويؤدي إلى نتائج متداخلة:

  1. تعطيل العملية التعليمية وتراكم الدروس
    • مقاطعة الدراسة لأيام أو أسابيع ينتج عنه خلل في السير الطبيعي للدروس. يتخلف الطالب عن استكمال وحدات مقررة، مما يفرض ضغطًا إضافيًا عند محاولة تعويض ما فات في مدة زمنية قصيرة.
  2. تهديد الثقة بين الأطراف التربوية
    • حينما يشعر الطالب أن صوته غير مسموع، وحينما ترى الإدارة أن التلاميذ انفلتوا من أي سيطرة، يدخل الجميع في دائرة أزمة ثقة تتلخص في: “الوزارة لا تهتم بصحتنا النفسية” مقابل “الطلاب لا يرغبون في العلم، بل في الكسل”.
  3. مخاوف من ارتفاع نسب التسرب
    • يخلق تواصل الإضراب فترات انقطاع قد تُشجّع بعض التلاميذ -خاصة ذوي الظروف الاجتماعية الهشة- على ترك المدرسة نهائيًا. وفي مجتمعٍ يطمح لرفع نسبة المتعلّمين، يُعد هذا الوضع إشكاليةً عميقة.
  4. تأثيرات نفسية وعاطفية
    • المراهق يجد في الاحتجاج تعبيرًا عن التمرّد، وقد تدفعه اندفاعة الحماس لمواقف متطرفة أو قرارات غير مدروسة. على صعيد آخر، تتحمّل الأسر تبعات القلق اليومي على مستقبل أبنائها وسط وضع تربوي مضطرب.

5. دور الوزارة وأولياء الأمور والأطراف المختلفة في معالجة الأزمة

5.1 وزارة التربية الوطنية: بين الردع والحوار

تجد الوزارة نفسها أمام ضغط شديد؛ فمن جهة، لا يمكنها مجاراة كل مطالب الطلبة دون تمحيص، حتى لا يُفهم الأمر على أنه رضوخ كامل يغيب عنه الجانب التربوي الجادّ. ومن جهة أخرى، يتوجب عليها الإسراع في فتح أبواب الحوار مع ممثلين فعليين للتلاميذ وأولياء الأمور، لتلافي تفاقم “الفوضى” واتساع رقعة الاتهامات المتبادلة.


5.2 دور أولياء الأمور في توجيه المراهقين

يُجمع خبراء التربية وعلم النفس على أن دور الأسرة محوري في منع الانحراف السلبي للاحتجاج. عندما يتواصل الأهل بشكلٍ وديّ وواعٍ مع الأبناء، يشرحون لهم حيثيات المشكلة، ويقنعونهم بسبل متوازنة في المطلب والاحتجاج، يصبح التلميذ أكثر هدوءًا وأقل ميلًا للانجرار خلف أي دعوات للتصعيد الشامل.

5.3 الأساتذة والإداريون ومساعدو التربية

في حين يتهم البعض بعض الأساتذة والإداريين بالتحريض على الحركة الاحتجاجية لتحقيق مطالب وظيفية، يشدّد آخرون على خطأ التعميم، مؤكدين أن غالبية المعلمين يحرصون على استقرار المنظومة التربوية. لذلك، يتعين فتح تحقيقات نزيهة حول أي ادعاء بتورّط أفراد بعينهم، وفي الوقت نفسه الاستماع إلى اقتراحاتهم لإصلاح المناهج وساعات الدراسة كونهم الأكثر احتكاكًا بالطالب.

5.4 الأطراف الأجنبية المزعومة

في خضم الجدل، تثار اتهامات “تدخل أجنبي” مستتر في تحريك هذه الاحتجاجات. سواءً صحّت هذه الادعاءات أم لا، يفترض أن تركز الجهود الداخلية على سدّ الثغرات التي تسمح باستغلال الوضع، وذلك عبر حلول تربوية حقيقية قبل كل شيء.

6. حلول مقترحة لتخفيف المناهج وتقليص الساعات

  1. إعادة هيكلة المناهج الدراسية
    • تقوم على حذف الحشو غير الضروري وتجميع الوحدات في إطار متكامل يسمح بالتركيز على الأساسيات. هكذا يُخفّف البرنامج دون المساس بجودة التعليم.
  2. تقليص اليوم الدراسي وتنسيق حصص أقل عددًا
    • إذا كان الطالب يمضي غالبية النهار في المدرسة، ثم يُجبر على واجبات منزلية كثيرة، فإن ذلك يخلق بيئة طاردة للابتكار. يمكن دمج الأنشطة التفاعلية أو التعلم الإلكتروني لإعطاء الطالب فرصة إطلاق العنان لطاقته الإبداعية.
  3. إلغاء أو تعديل قرار منع الدروس الخصوصية بشروط
    • في الوقت الذي أُغلقت أبواب الدروس الخصوصية بشكل صريح، يمكن للوزارة أن تسمح بها ضمن أُطر مرخّصة تحترم مواقيت محددة، مع مراقبة الجودة والأسعار. هكذا لا يشعر الطالب بأنه محاصَر من كل الاتجاهات.
  4. تفعيل التعلّم القائم على المشاريع (PBL) وتقنيات التعليم الحديثة
    • كبديل عن نمط “الحفظ والتلقين”، يُمكن اعتماد مشاريع جماعية وأدوات رقمية تحفّز تفكير الطلاب، فيتقلّص الإحساس بملل المناهج التقليدية، وتنخفض ساعات الدراسة الرسمية دون تراجع في الكم المعرفي.
  5. الاهتمام بالصحة النفسية للتلاميذ
    • سنّ قوانين تُلزم كل مؤسسة تربوية بتوفير آلية دعم نفسي واجتماعي، وتعزيز دور مستشاري التوجيه. هذا لا يحدّ فقط من مخاطر الإضراب العشوائي، بل يخلق جيلًا واعيًا بالمسؤوليات والحقوق.
  6. تكوين المعلمين على أنماط متطورة من التدريس
    • ما لم يتزوّد المعلم بالأدوات اللازمة للتعامل مع مناهج مخفّفة أو مهيكلة حديثًا، ستبقى الأزمة تراوح مكانها. يحتاج المعلم برامج تكوين تحاكي مستجدات عالم التدريس، للتعامل مع المراهقين بشكل يفهم دوافعهم وطبيعة شخصياتهم.

7. خلاصة المقال

إن إضراب التلاميذ في الجزائر ليس مجرد احتجاجٍ هامشي بل هو ظاهرة ترتبط بعدّة قضايا: ثقل البرنامج الدراسي، منع الدروس الخصوصية، تبادل الاتهامات بإثارة الفوضى، ووقوف أطرافٍ مجهولة خلف الستار. في ظل هذه اللوحة المتشابكة، فإن إعادة النظر جديًّا في المناهج الدراسية وساعات الدراسة قد تكون السبيل الأقرب لتصحيح المسار؛ شريطة ألا تستغلّ المطالب لتحصيل مكاسب سياسية أو إثارة فتن داخلية.

كما أنّ دور الأولياء والأخصائيين التربويين لا يمكن إنكاره في توجيه المراهقين المضربين نحو سلوكٍ رشيدٍ يحفظ حقوقهم الدراسية ويفتح لهم أبواب الحوار البنّاء. وفي نهاية المطاف، تبقى “الجودة” في التعليم هدفًا لا يمكن التفريط فيه، ولا سيّما وأن مستقبل الجزائر مرهونٌ بشبابٍ قادر على صناعة فكرٍ يواكب العصر ويتجاوز تحدياته. لذلك، من الضروري أن نتحرّك سريعًا، بشكل توافقي يجمع بين صوت التلميذ ومصلحة البلاد، لتجنّب التحديات الأكثر صعوبة على الطريق.

"لا يمكن بناء مستقبل الوطن دون تعليمٍ متين"، عبارة نردّدها كثيرًا، ولكن الأهم هو تفعيلها على الأرض وتحويلها إلى خطط ملموسة تحفّز الناشئة على الإقبال على العلم بدل الهروب منه إلى الشارع. ولعلّ هذا الإضراب المعلن قد يفتح نافذةً للإصلاح إذا تعاملنا معه كفرصة لفتح حوار حقيقي يعيد الثقة ويحقّق التوازن المطلوب.


إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال