في كثير من الأحيان، ينظر الناس إلى الأفلام على أنها مجرد وسيلة للترفيه وقضاء وقت ممتع، إلا أنها في الواقع تُعَدّ أحد أقوى وسائل الإعلام القائمة اليوم. يمتلك الفيلم القدرة على الوصول إلى جمهور واسع في مختلف البلدان والثقافات، نظرًا لسهولة عرضه على الشاشات الكبيرة أو الصغيرة، إلى جانب توفر الترجمات أو الدبلجة بلغات متعددة. لكن ما الذي يجعل الأفلام تُصنّف ضمن وسائل الإعلام؟ وماذا عن تأثيرها على أفكارنا وسلوكنا؟
خلال درس عن وسائل الإعلام مع تلاميذ السنة الثانية متوسط، عند مناقشة أنواع وسائل الإعلام، ذكرت الوسائل البصرية وأشرت إلى الأفلام كأحدها. هنا طرح أحد التلاميذ سؤالاً عفوياً لكنه عميق: "هل الأفلام تُعتبر وسيلة إعلام؟"
أجبته بأن الكثير يعتقد أن الأفلام مجرد وسيلة للترفيه، لكنها في
الحقيقة أكثر من ذلك بكثير. شرحت لهم أن الأفلام تُعتبر وسيلة إعلام قوية لأنها
تستهدف جمهوراً واسعاً، وتتوفر فيها جميع عناصر عملية الاتصال:
المرسل: صانع الفيلم أو المخرج.
الرسالة: القصة أو الفكرة التي يسعى الفيلم لنقلها.
الوسيلة: الشاشة الكبيرة أو الصغيرة.
الجمهور: المشاهدون حول العالم.
الأثر: التغيير في مواقف وقيم وأفكار المشاهدين.
ثم أوضحت لهم أن الأفلام ليست فقط للترفيه، بل تحمل في طياتها رسائل
ومضامين خفية، قد تستهدف اللاوعي عند المشاهد، وتؤثر على قيمه ومواقفه بطرق غير
مباشرة.
• الأفلام
كوسيلة إعلامية
على غرار الصحافة والإذاعة والتلفاز، تتضمّن الأفلام كل عناصر عملية
الاتصال:
– المُرسِل: صانع الفيلم أو المخرج وفريق الإنتاج.
– الرسالة: القصة أو الفكرة التي يريد المخرج إيصالها، سواء كانت
سياسية، اجتماعية، ترفيهية، أو حتى قيمية وأخلاقية.
– الوسيلة: قاعات السينما، التلفاز المنزلي، أو منصات البث الرقمي.
– الجمهور: المشاهدون على اختلاف شرائحهم العمرية والثقافية.
– الأثر: التغيير في المواقف والقيم وقناعات الأفراد الذين يتلقون هذه
الرسائل.
• الرسائل
الخفية وتأثيرها
لا تقف الأفلام عند حدود “الإمتاع البصري”، بل قد تحمل في طيّاتها
رسائل قد تكون إيجابية أو سلبية. فهناك أفلام توعوية تدعو إلى حماية البيئة أو
الحفاظ على حقوق الإنسان، بينما تسيء أفلام أخرى إلى ثقافات معينة أو تروّج لقيم
قد تكون بعيدة أو مخالفة لمجتمعاتنا.
يشير اختصاصيو علم النفس والإعلام إلى أن مشاهدة الأفلام بشكل متواصل
ومن دون تحليل أو تفكير نقدي قد تجعل المشاهد أشبه بالدمية؛ يمتص الأفكار ويتأثر
بتوجهاتها من دون أن يشعر.
• أمثلة
للنقاش مع التلاميذ
1.
أفلام
وثائقية ترفع الوعي بالقضايا البيئية: كيف يُمكن لمشهد واحد أو قصة عن تأثير
التلوث أن يدفع الطالب إلى التفكير في حلّ إبداعي أو سلوك إيجابي؟
2.
دور
الأفلام الترفيهية في تغيير القناعات: هل سبق أن شاهدت فيلمًا كوميديًا أو دراميًا
لكنك خرجت منه برؤية جديدة حول قضية مجتمعية؟
3.
إساءة
تصوير الثقافات والتاريخ: لماذا قد يلجأ بعض صُنّاع الأفلام إلى تشويه الحقائق
التاريخية أو التقاليد الثقافية؟ وهل يمكن أن يؤثر ذلك في وجهة نظرنا عن تلك
الشعوب؟
• دور
التفكير النقدي:
لبناء وعي صلب لدى الأجيال الناشئة، لا بد من تعليمهم مهارة التفكيرالنقدي عند مشاهدة الأفلام أو أي محتوى بصري آخر. من خلال طرح الأسئلة:
– ما هدف القصة المطروحة؟
– مَنْ الجهة التي أنتجت الفيلم ولماذا؟
– لماذا اختيرت هذه الشخصيات وهذا السيناريو تحديدًا؟
بهذه الطريقة، يتدرّب الأبناء على تحليل ما يشاهدونه بدل ابتلاعه كما
هو، ويتحوّل المشاهد إلى طرف فعّال يفعل أكثر من مجرد تلقي الرسائل.
• كيف
نحمي أنفسنا وأبناءنا؟
1.
النقاش
الأسري والمدرسي: من المهم إشراك الأطفال في حوار مفتوح حول مضمون الأفلام التي
يشاهدونها؛ إذ يتيح ذلك فرصة تصحيح المفاهيم الخاطئة وتقديم تفسيرات أكثر واقعية.
2.
اختيار
المحتوى المناسب: ليس كل فيلم ملائمًا لجميع الأعمار، لذلك يجب انتقاء الأفلام
التي تعود بنفع ثقافي أو فكري دون أن تزرع قيمًا مشوشة.
3.
الإرشاد
المستمر: يبقى دور الوالدين والمربين أساسيًا في توجيه الأطفال نحو فهم الرسالة
الحقيقية للأفلام، والتفكير بعمق في مدى صحتها وتأثيرها.
• في
الختام:
الأفلام لم تعد مجرد صور متحركة ولقطات جميلة تُعرض على الشاشة، بل
أصبحت وسيلة إعلامية قوية قادرة على رسم صور ذهنية معيّنة، والتأثير في العقول
والمشاعر بطرق مباشرة وغير مباشرة. وعليه، لا بد من التعامل بحذر مع مضمون ما
نشاهده، وتعليم أبنائنا أن يكونوا مُشاهدين ناقدين وليسوا متلقين سلبيين. فربما
يحمل فيلم بسيط تأثيرًا عميقًا في نظرتنا إلى أنفسنا والعالم من حولنا، وقد
يُرسِّخ قيمًا إيجابية أو سلبية دون وعي منا. يبقى السؤال الأهم: هل فكّرت يومًا
بما تحمله أفلامك المفضّلة من رسائل خفية؟