📁 آخر المقالات

بالمثال يتضح الحال: كيف تحلل وضعية إدماجية عن السياسة الاستعمارية خطوة بخطوة؟

مقدمة: "بابا، ما هو الموضوع المتوقع في اختبار التاريخ؟"

كيف تحلل وضعية إدماجية عن السياسة الاستعمارية خطوة بخطوة؟

سألتني ابنتي التي تدرس في السنة الرابعة متوسط هذا السؤال الذي يتردد في أذهان كل التلاميذ قبل الاختبارات. من خبرتي كأستاذ، وبتحليل تسلسل البرنامج الدراسي، أجبتها بأنني أتوقع بقوة أن يكون موضوع الوضعية الإدماجية حول "السياسة الاستعمارية في الجزائر"، لأنه موضوع محوري يلخص فترة مهمة ويسمح بتقييم قدرة التلميذ على التحليل والربط.

في مقالنا السابق بعنوان "كيف تكتب موضوعًا إدماجيًا بلا خوف؟"، شرحنا "الطريقة العكسية" نظريًا، و لكن النظرية وحدها لا تكفي، والطريق الأمثل لترسيخ أي مهارة هو تطبيقها عمليًا. ولأن النظرية وحدها لا تكفي، قررت أن أشاركها وإياكم هذا الدليل التطبيقي.  

لهذا، نخصص هذا المقال لتقديم مثال تطبيقي كامل لوضعية إدماجية مرشحة بقوة لاختبار الفصل الأول في مادة التاريخ للسنة الرابعة متوسط، وهي "السياسة الاستعمارية في الجزائر". سنتناول وضعية بأركانها الثلاثة: السياق، السندات، والتعليمة، وسنركز بشكل خاص على كيفية استخدام السندات بذكاء بدل نسخها حرفيًا.


وضعية إدماجية نموذجية كاملة الأركان

لنتخيل أنك في الاختبار ووجدت أمامك الوضعية التالية:

السياق: بعد أن أحكمت فرنسا سيطرتها العسكرية على الجزائر، شرعت في تطبيق سياسة استعمارية شاملة بهدف إخضاع البلاد بشكل نهائي ودمجها في الكيان الفرنسي، مستخدمة في ذلك كل الوسائل المتاحة.

السندات:

السند 1: "لقد تم انتزاع ملكية الأراضي من القبائل باسم المصلحة العامة... ومُنحت هذه الأراضي للمستوطنين الأوروبيين. بحلول عام 1890، كان أكثر من مليون هكتار من أجود الأراضي قد انتقل إلى أيدي الأوروبيين." (مقتطف من كتاب تاريخي حول الاستيطان الزراعي).

السند 2: "يخضع الجزائريون المسلمون لمجموعة من الإجراءات التأديبية الخاصة (قانون الأهالي 1881)، التي تفرض عليهم عقوبات دون محاكمة لأفعال بسيطة مثل السفر بدون رخصة. في المقابل، صدر قانون كريميو (1870) الذي منح الجنسية الفرنسية لليهود، مما عمّق التفرقة بين السكان." (مقتطف بتصرف من دراسة حول القوانين الاستعمارية).

التعليمة: انطلاقًا من السياق والسندات وما درست، اكتب فقرة من 12 إلى 15 سطرًا تبرز فيها أهداف السياسة الاستعمارية الفرنسية في الجزائر، وأهم إجراءاتها، والمجالات التي مستها.


الخطوة الأولى (قبل الكتابة): كيف أستخدم السندات بذكاء؟

هذا هو السؤال الأهم. السندات ليست جزءًا من الديكور، بل هي أدوات لمساعدتك. الخطأ القاتل الذي يقع فيه الكثيرون هو نسخ جمل كاملة من السند. الصواب هو توظيفها كدليل يدعم فكرتك. إليك الطريقة:

  • لا تنسخ، بل استخرج الفكرة: اقرأ السند 1 واستخرج فكرته: "مصادرة الأراضي ومنحها للمستوطنين". اقرأ السند 2 واستخرج فكرته: "التمييز القانوني بين السكان (قانون الأهالي وقانون كريميو)".
  • استخدم السند كدليل: عندما تتحدث عن الإجراءات الاقتصادية، اذكر فكرة مصادرة الأراضي بأسلوبك الخاص، ثم أضف عبارة مثل: "وهو ما يؤكده السند 1 الذي يشير إلى..." أو "... كما يتضح من خلال سياسة الاستيطان المذكورة في السند 1".
  • اربط السند بالدرس: السندات تسلط الضوء على جوانب معينة. اربطها بما درسته. فمثلًا، السند 2 هو مثال واضح على "السياسة الإدارية والقانونية التمييزية" التي تعلمتها في الدرس.

الخطوة الثانية: تطبيق المنهجية العكسية

الآن، نطبق خطواتنا المعتادة بالاستعانة بالوضعية الكاملة:

  1. استخراج الكلمات المفتاحية: من التعليمة، الكلمات هي: السياسة الاستعمارية، أهداف، إجراءات، مجالات. (للتذكير، راجع مقالنا عن الكلمات المفتاحية).
  2. تحويل الكلمات إلى أفكار (مع دمج السندات):
    • الأهداف: لماذا طبقت فرنسا هذه السياسة؟ (من مكتسباتي القبلية) -> هدف استغلالي (نهب الثروات)، هدف استيطاني (إحلال الأوروبيين محل الجزائريين)، وهدف حضاري (طمس الهوية).
    • الإجراءات: كيف فعلت ذلك؟ هنا أدمج السندات:
      • إجراء اقتصادي: مصادرة الأراضي الخصبة ومنحها للمستوطنين (فكرة السند 1).
      • إجراء قانوني وإداري: تطبيق قوانين استثنائية مثل "قانون الأهالي" لخلق تفرقة بين السكان (فكرة السند 2).
      • إجراء ثقافي: (من مكتسباتي) -> سياسة الفرنسة في التعليم ومحاربة اللغة العربية.
    • المجالات: ما هي جوانب الحياة التي تأثرت؟ -> المجال الاقتصادي (الزراعة)، المجال السياسي والإداري (القانون والعدالة)، والمجال الاجتماعي والثقافي و الديني (الهوية).
  3. بناء الفكرة العامة ورسم الخطة:
    • الفكرة العامة: كانت السياسة الاستعمارية مشروعًا متكاملاً هدف إلى السيطرة على الجزائر أرضًا وإنسانًا، عبر إجراءات قمعية مست كل مجالات الحياة.
    • بناء الخطة النهائية (مقدمة بإشكالية وعرض مفصل):
      • المقدمة: تمهيد عام (الفكرة العامة) حول السياسة الاستعمارية ينتهي بطرح إشكالية (سؤال).
      • العرض:
        1. البدء بفقرة تشرح الأهداف.
        2. الانتقال إلى فقرة تشرح الإجراءات والمجالات مع توظيف السندات.
      • الخاتمة: خلاصة واستنتاج  (أثر هذه السياسة) يربط قمع السياسة الاستعمارية بحتمية الثورة.

الخطوة الثالثة: الصياغة النهائية للفقرة الإدماجية

  انتهجت فرنسا بعد احتلالها للجزائر سياسة استعمارية شاملة، لم تكن مجرد سيطرة عسكرية، بل مشروعًا متكاملاً هدف إلى إلحاق الجزائر بها أرضًا وشعبًا. فما هي الأهداف الحقيقية لهذه السياسة، وما هي أبرز إجراءاتها والمجالات التي مستها؟

  لقد سعت الإدارة الاستعمارية إلى تحقيق أهداف استراتيجية واضحة، تمثلت في نهب الثروات الاقتصادية للبلاد، وادماج الجزائر في فرنسا بإحلال المستوطنين الأوروبيين محل السكان الأصليين، بالإضافة إلى طمس مقومات الهوية الوطنية الجزائرية من دين ولغة وتاريخ.

ولتحقيق هذه الغايات، طبقت الإدارة الاستعمارية جملة من الإجراءات القمعية التي مست كل المجالات. اقتصاديًا، قامت بمصادرة ملايين الهكتارات من الأراضي الخصبة ومنحتها للمستوطنين، وهو ما يشير إليه السند 1. وإداريًا وقانونيًا، فرضت قوانين استثنائية عنصرية مثل "قانون الأهالي" لمعاقبة الجزائريين دون محاكمة، بينما منحت الجنسية للمستوطنين واليهود لتعميق الانقسام الاجتماعي، كما يوضح السند 2. أما ثقافيًا، فقد حاربت اللغة العربية والتعليم الأصلي عبر سياسة الفرنسة الشاملة و محاربة الدين الاسلامي قصد محاربة اهم ركيزة من ركائز الهوية وبشر المسيحية وسط الجزائرين و ذلك  باجراءات كغلق المساجد و انشاء جمعية الاباء البيض و الحاق شؤون العبادة بالادارة الاستعمارية.

وهكذا، كانت السياسة الاستعمارية أداة تدمير ممنهج للمجتمع الجزائري، وهو ما جعل المقاومة والثورة أمرًا حتميًا لاستعادة السيادة والهوية.


أسئلة شائعة حول الوضعية الإدماجية

هل يجب أن أستخدم كل السندات؟
نعم، من الأفضل دائمًا محاولة توظيف كل السندات لأن المصحح يتوقع منك ذلك. كل سند يسلط الضوء على جانب من جوانب الموضوع، وإهمال أحدها قد يعني أن إجابتك ناقصة.

هل يمكنني الاكتفاء بمعلوماتي فقط إذا كنت أحفظ الدرس جيدًا؟
لا، هذا خطأ شائع. الوضعية الإدماجية تقيّم قدرتك على "الإدماج" بين مكتسباتك القبلية والمعطيات الجديدة (السندات). تجاهل السندات يُفقدك نقاطًا هامة حتى لو كانت معلوماتك صحيحة.

ماذا لو لم أفهم سندًا معينًا؟
حاول على الأقل استخراج الكلمة المفتاحية الرئيسية منه. فمثلًا، إذا لم تفهم كل تفاصيل السند 2، يمكنك على الأقل أن تستنتج أنه يتحدث عن "قوانين تمييزية". هذا أفضل من تجاهله بالكامل.

كيف أكتب الخاتمة المناسبة؟
الخاتمة الجيدة هي جملة أو اثنتين تلخص الأثر النهائي للموضوع أو تفتح أفقًا لسؤال جديد. في مثالنا، الخاتمة ربطت بين قمع السياسة الاستعمارية وحتمية اندلاع الثورة، وهذا ربط منطقي وممتاز.
محمد بوداني
محمد بوداني
أستاذ متخصص في التاريخ والجغرافيا بخبرة تزيد عن 22 عامًا في ميدان التعليم. مؤلف كتاب "مصباح: أضئ عقلك وحول التعلم إلى مغامرة"، ومؤسس مدونة Taalim Hub ومجتمع مصباح. شغفي هو تبسيط العلوم وجعل التعلم رحلة ممتعة وملهمة. أشارك هنا استراتيجيات عملية وتقنيات حديثة لمساعدة الطلاب وأولياء أمورهم على تحقيق النجاح الدراسي وبناء مستقبل مشرق.
تعليقات