اعتدنا في مدونة "تعليم هوب" أن نتحدث عن استراتيجيات التعلم، وطرق المراجعة، وكيفية دعم أبنائنا التلاميذ. لكن اليوم، سأضع القلم جانبًا كمرشد تربوي، لأكتب كأستاذ يشعر بالألم، وبصوت كل زميل يعاني في صمت. مقالتنا اليوم ليست عن التلميذ، بل عن صانع التلميذ: الأستاذ.
هناك حقيقة بسيطة، وقاعدة ذهبية في أي بيئة عمل ناجحة: "الواجبات لا تُؤدى بإخلاص إلا إذا كانت الحقوق مصانة". للأسف، يبدو أن هذه القاعدة منسية في العديد من مؤسساتنا التربوية.
عندما تتحدث الإدارة بلغة الواجبات فقط
"مصلحة التلميذ"، "الضمير المهني"، "المصلحة العامة"... شعارات جميلة ورنانة، لكنها أصبحت تُستخدم في كثير من الأحيان كسياط معنوية تُلهب ظهور الأساتذة. بعض المدراء يتقنون فن الحديث عن الواجبات، ويطالبون بالتفاني المطلق، والتضحية اللامحدودة، ولكنهم يصابون بالصمم عندما يتعلق الأمر بأبسط حقوق الأستاذ.
يتحول الأستاذ في نظر هذه الإدارة إلى مجرد أداة لتنفيذ المهام، وتُختزل العلاقة المهنية في قائمة لا تنتهي من الأوامر: "افعل"، "أنجز"، "حضر". أما السؤال عن "كيف حالك؟" أو "ماذا تحتاج لتؤدي عملك أفضل؟" فيبقى في غياهب النسيان.
من الخرائط المبعثرة إلى الحقوق المهدرة: قصص من الواقع
تبدأ المعاناة من التفاصيل الصغيرة. تقترح فكرة عملية لتنظيم الوسائل التعليمية، مثل جمع الخرائط المبعثرة في سلال بسيطة، فتتلقى وعودًا... ثم لا يحدث شيء. وبعد أشهر، أنت من سيُلام على إهمال تلك الخرائط. تطلب تعديلًا في توقيتك لتتمكن من مواصلة دراستك العليا، وهو حق يكفله لك القانون بهدف التكوين وتحسين المستوى، فيُقابل طلبك بالرفض الشفهي، بل ويُرفض حتى استلام الطلب الخطي لأن "الإدارة تخشى الوثيقة".
هذه ليست مجرد مواقف عابرة، بل هي نمط إداري يقتل المبادرة ويغرس الإحباط. إنه شعور مدمر أن ترى أفكارك تُهمل وحقوقك تُداس، ليس لأنها خاطئة، بل لأنها لا تمثل أولوية في حسابات المدير.
الأثر النفسي لغياب التوازن: من الشغف إلى أداء الواجب
عندما يشعر الأستاذ بأن صوته غير مسموع، وأن حقوقه مجرد حبر على ورق، يبدأ الشغف بالانطفاء. يتحول الإخلاص المبني على الحب والرغبة في العطاء، إلى مجرد أداء للواجب بالحد الأدنى المطلوب لتجنب المشاكل. وهذا هو الخطر الحقيقي الذي يهدد المنظومة التربوية بأكملها.
- يفقد الأستاذ دافعيته للمبادرة والتطوير.
- يصاب بالاحتراق الوظيفي والإرهاق النفسي.
- تتأثر علاقته بتلاميذه، لأن فاقد الشغف لا يستطيع أن يلهم أحدًا.
ما الحل؟ خطوات عملية لحفظ كرامتك وحقك
إلى كل أستاذ يمر بهذه التجربة، لا تفقد الأمل. المعركة من أجل الحقوق ليست سهلة، لكنها ممكنة عبر الطرق الصحيحة:
- اعرف حقوقك جيدًا: اقرأ القانون الأساسي للوظيفة العمومية. معرفة حقوقك هي خطوتك الأولى نحو المطالبة بها بثقة.
- حوّل كل شيء إلى وثيقة (مبدأ: وثّق كل شيء):
- لا تعتمد على الوعود الشفهية. اجعل طلباتك مكتوبة دائمًا. إذا رُفض استلام طلبك، استخدم البريد المضمون مع إشعار بالاستلام.
- إذا قمت بكتابة تقرير في تلميذ، احتفظ بنسخة لنفسك دائمًا.
- حتى أخطاؤك المحتملة، وثّقها. إذا تلقيت "استفسارًا" بسبب غياب أو تأخير، قم بتصويره وتصوير ردك عليه قبل تسليمه. إذا رفضت الإدارة استلام ردك، سجّل تفاصيل الواقعة (التاريخ، التوقيت، اسم المسؤول) في دفتر يومي خاص بك.
- احترم السلم الإداري: ابدأ بمخاطبة المسؤول المباشر. إذا لم تجد استجابة، اصعد خطوة إلى الأعلى (التظلم الإداري لدى مديرية التربية). اجعل تواصلك دائمًا رسميًا وموثقًا.
في الختام، إن المطالبة بحقوقنا كأساتذة ليست أنانية، بل هي ضرورة لضمان تأدية واجباتنا بإخلاص. فالأستاذ الذي تُصان كرامته وحقوقه هو الأستاذ القادر على بناء جيل واعد. إن الاستثمار في الأستاذ هو أفضل استثمار في "مصلحة التلميذ".
والآن، أدعوكم زملائي الأساتذة لمشاركة تجاربكم في التعليقات. هل واجهتم مواقف مشابهة؟ وكيف تعاملتم معها؟ لنجعل من هذا الفضاء منبرًا لصوتنا.
