📁 آخر المقالات

السندات البيداغوجية والمقاربة بالكفاءات

من وثيقة جامدة إلى أداة لبناء الكفاءات

في قلب المقاربة بالكفاءات التي يعتمدها التعليم الجزائري، تمثل السندات البيداغوجية (نصوص، خرائط، صور، جداول...) أكثر من مجرد وسيلة توضيحية؛ إنها الأدوات التي يبني بها المتعلم معارفه فعليًا. لكن الفرق بين استغلال فعّال للسند واستعمال سطحي يكمن في السؤال الذي يوجهه المعلم.


ما هي هذه الاستراتيجية؟ وهل تعد من التعلم النشط؟

الطريقة التي تعتمد على تحليل السندات تُعرف بعدة تسميات في البحوث التربوية:

  • استراتيجية السندات التعليمية (Instructional Scaffolding): ينظر إلى السند كـ “سقالة معرفية” مؤقتة تدعم المتعلم في فهمه إلى أن يصبح قادرًا على التعلم باستقلالية.
  • التعلم القائم على السندات (Document-Based Learning): نهج يركز على تحليل المصادر الأولية والثانوية لاستخلاص معارف واستنتاجات جديدة.

وفي التعليم الجزائري تُعتبر هذه الطريقة جوهر المقاربة بالكفاءات؛ حيث تُستخدم السندات البيداغوجية كوسائل لبناء المعنى وتنمية الكفاءات وليس مجرد تلقين للمعلومة.


العلاقة مع التعلم النشط

نعم، هذه الطريقة تصنف ضمن استراتيجيات التعلم النشط، ولكن بمستويات متفاوتة:

  • تكون تقليدية أو سلبية إذا اقتصرت على أسئلة مباشرة ("ما هو التاريخ؟").
  • وتتحول إلى نشاط تفاعلي حقيقي عندما تطرح أسئلة تحليلية أو نقدية أو تركيبية تجعل الطالب يفكر ويحلل ويقيّم.
جوهر التعلم النشط ليس في النشاط الخارجي فقط، بل في الحركية الذهنية التي تنتج معرفة جديدة.

خطوات عملية لتطوير مهارة استغلال السندات

يمكنك نقل هذه الطريقة إلى مستوى أعمق عبر جعل المتعلم منتجًا للمعنى لا مجرد ناقل للمعلومة.

1. من الأسئلة المباشرة إلى الأسئلة العميقة

اطرح أسئلة تنتمي إلى مهارات التفكير العليا بحسب تصنيف بلوم:

  • التحليل: ما الأسباب الممكنة لهذا الحدث؟
  • التفسير: لماذا استخدم الكاتب هذا التعبير؟
  • التقييم: هل ترى أن السند محايد؟ ما حدود مصداقيته؟
  • الإبداع: صمم خريطة جديدة توضح الظاهرة حسب المعطيات المتوفرة.

2. دمجها مع استراتيجيات تعلم نشط أخرى

اجعل التعامل مع السندات نشاطًا جماعيًا تشاركيًا:

  • فكر – زاوج – شارك: يمنح الطالب فرصة للتفكير الفردي ثم النقاش الثنائي وأخيرًا عرض النتائج.
  • العمل في مجموعات: وزّع سندات مختلفة على المجموعات ثم قارن النتائج داخل الصف.
  • تمثيل الأدوار: إذا كان السند نصًا تاريخيًا، فحوّله إلى مشهد تمثيلي يعيد بناء الموقف.

3. تعليم مهارة تحليل السندات بشكل صريح

خصص وقتًا لتعليم الطلاب كيف يقرؤون السند. استخدم نموذج التحليل الثلاثي التالي:

المرحلة الهدف الأسئلة الموجهة
الملاحظة التعرف على مكونات السند ماذا أرى؟ من صاحب الوثيقة؟ متى أُنتجت؟
الفهم تفسير المعاني الصريحة ماذا يعني؟ ما الرسالة المحتملة؟
الاستنتاج بناء الأفكار وربطها ماذا أستنتج؟ ما العلاقة مع درس اليوم؟

4. تنويع السندات التعليمية

لكسر الملل وتحفيز الإدراك المتعدد، نوّع في أنواع السندات:

  • مرئية: خريطة، صورة تاريخية، كاريكاتور سياسي.
  • مسموعة: خطاب سياسي أو شهادة حية.
  • رقمية: خرائط تفاعلية أو بيانات آنية من مواقع رسمية.

استغلال السندات في ضوء المقاربة بالكفاءات

في المقاربة بالكفاءات، لا يُطلب من المتعلم تكرار المعلومة، بل تعبئة موارده المعرفية لحل وضعية جديدة. السند هنا هو لبّ الوضعية المشكلة التي تستفز تفكيره وتدفعه لاستخدام مكتسباته في سياق واقعي.

المتعلم الناجح هو من يتعامل مع السند كأداة للتحليل لا كإجابة جاهزة.

نموذج نشاط تطبيقي

الموضوع: "تأثير الموقع الجغرافي على النشاط الاقتصادي"

السند: خريطة الموارد في الجزائر

  1. ملاحظة: تحديد أهم مناطق الإنتاج.
  2. فهم: تفسير العلاقة بين التضاريس والموارد.
  3. استنتاج: تحليل كيف يؤثر الموقع في التوزيع الاقتصادي.

نشاط إثرائي: صمم خريطة ذهنية تلخص علاقة الإنسان بالبيئة في الجزائر.


تقييم مهارة تحليل السند

روبرك مبسط للتقييم:

المعيار الوصف النقاط
تحديد نوع السند ومصدره دقة في التعريف بالسند وسياقه 2
استخراج معلومات أساسية رصد كل المعطيات الصريحة 3
التحليل والاستدلال ربط البيانات وتحليل المعنى 4
التفسير والاستنتاج خلاصة منطقية مدعمة بالأدلة 4
النقد والتقويم فحص الموثوقية واقتراح مصادر بديلة 2

خاتمة

إن استراتيجية استغلال السندات ليست مجرد أسلوب تنشيطي للدرس، بل فلسفة تعليمية تحول الصف إلى ورشة بحث وتفكير. بدل أن يكون الطالب مستهلكًا للمعلومة، يصبح منتجًا للمعنى. وهذا هو جوهر التعلم النشط و المقاربة بالكفاءات في المدرسة الجزائرية: متعلم فاعل، واعٍ، ومبدع.

دعوة للتطبيق: في حصتك القادمة، اختر سندًا جديدًا، وأعد صياغة أسئلتك لتُحفّز التحليل. شارك نتائج التجربة مع زملائك لبناء مجتمع تعلم متفاعل.

وسوم مقترحة: #التعلم_النشط #السندات_البيداغوجية #المقاربة_بالكفاءات #taalimhub

محمد بوداني
محمد بوداني
أستاذ متخصص في التاريخ والجغرافيا بخبرة تزيد عن 22 عامًا في ميدان التعليم. مؤلف كتاب "مصباح: أضئ عقلك وحول التعلم إلى مغامرة"، ومؤسس مدونة Taalim Hub ومجتمع مصباح. شغفي هو تبسيط العلوم وجعل التعلم رحلة ممتعة وملهمة. أشارك هنا استراتيجيات عملية وتقنيات حديثة لمساعدة الطلاب وأولياء أمورهم على تحقيق النجاح الدراسي وبناء مستقبل مشرق.
تعليقات