في ظلّ التطوّر الهائل الذي يشهده العصر الرقمي، ومع الانتشار الواسع لمنصّات الفيديو مثل يوتيوب، أصبح الكثير من التلاميذ يعتمدون على هذه الوسائل لتعلّم الدروس ومراجعتها. فالفيديوهات تمنح الطلاب فرصة التعلّم بطريقة مرئية ومسموعة، وتوفّر لهم إيقاعًا ذاتيًا في الدراسة، بحيث يستطيعون التوقّف والإعادة والتقديم بحسب حاجتهم وقدراتهم الفردية. ولكن، على الرغم من هذه الميزة الظاهرة، فإنّ مشاهدة الفيديوهات لغرض التعلّم قد لا تكون دائمًا فعّالة إذا لم تُوجّه بالشكل الصحيح. وقد ألفت المربية أفرا روبنسون في إحدى مقالاتها على موقع “إيديتوبيا” الانتباه إلى أنّ الطلاب يحتاجون إلى اكتساب مهارات خاصة للتفاعل الإيجابي مع المحتوى المرئي، عوض الاكتفاء بمجرد “مشاهدة” الفيديو دون تركيز أو توجيه.
فيما يلي عرض لمجموعة من الاستراتيجيات والأفكار التي يمكن للمعلمين وأولياء الأمور تبنّيها لمساعدة الطلاب على التعلّم الفعّال من الفيديوهات، سواء أكان ذلك في إطار الحصص الحضورية أو في بيئة التعلّم عن بُعد.
التمييز بين مشاهدة الفيديو لأغراض الترفيه والتعلّم
تعتاد أجيال اليوم على مشاهدة مقاطع الفيديو لأغراض التسلية والترفيه، مثل متابعة الأفلام والمسلسلات ومحتوى يوتيوب المنوّع. غير أنّ الفيديو ذي الطبيعة التعليمية يختلف جوهريًا، إذ يتطلب من المشاهد تركيزًا أكبر وتفاعلاً فعّالًا مع المحتوى. من هنا، يُنصَح المعلّمون بالتأكيد على الطلاب أنّ “التفاعل” مع الفيديو يفوق مجرد المشاهدة، وأنّ هدفهم هو اكتساب المهارات أو المعلومات من خلال هذه التجربة البصرية-السمعية.
تقسيم الفيديو إلى أجزاء وتوضيح الهدف
في كثير من الأحيان، يحتوي الفيديو الواحد على محتوى متعدّد الخطوات أو أفكار معقّدة. لذلك، من المهم توجيه الطلاب إلى اعتماد استراتيجية تقسيم المشاهدة، أي تشجيعهم على التوقّف بعد كل خطوة أو فكرة رئيسية، وتدوين الملاحظات أو محاولة تطبيق المهارة أو حلّ التمرين بأنفسهم. مثلاً:
• إذا كان الفيديو يشرح مفهومًا رياضيًا، يمكن للطالب إيقافه بعد شرح المرحلة الأولى من الحلّ ومحاولة تطبيقها. ثم يُعيد تشغيل الفيديو للتأكّد من الحلّ والانتقال للمرحلة الثانية.
• إذا كان الفيديو يستكشف فكرة تاريخية أو علمية جديدة، قد يطلب المعلّم إيقافه كل بضع دقائق، وملء خريطة ذهنية أو الإجابة على أسئلة تقويمية بسيطة لضمان فهم المقاطع الأولى قبل الانتقال إلى ما يليها.
الاستفادة من خاصية الإيقاف المؤقت والإعادة والتقديم
تكمن إحدى القوة الكبرى لأي فيديو تعليمي في إمكانيات إيقاف المحتوى وإعادته ومشاهدته مجددًا، بل حتى إعادة المشاهدة لاحقًا في الوقت الذي يناسب الطالب. هذا الأمر قد يبدو بديهيًا لبعض الطلاب، لكنّ كثيرين لا يدركون تمامًا أهمية وقيمة هذه الخاصية التعليمية. لذلك، يُنصَح المعلّمون بتقديم دروس توضيحية قصيرة تبيّن كيفية “التحكّم في الزمن”، من خلال:
• التوقّف المؤقت (Pause) للتفكير أو التلخيص أو النقاش مع الزملاء في الحصة.
• الإرجاع (Rewind) لمراجعة معلومة فاتتهم أو خطوة لم يفهموها.
• التقديم السريع (Fast Forward) لمحتوى مكرّر سبق للطالب أن فهمه أو لإضافة رابط وشرح أوسع عند الحاجة.
تحفيز التفاعل النشط مع المحتوى
لا يجب الاكتفاء بإطلاق عبارة “شاهدوا الفيديو لتتعلّموا”، بل يستحسن تغيير صيغة الكلام إلى “تفاعلوا مع الفيديو لتتعلّموا”. هذا التغيير البسيط يشير إلى أهمية الدور النشط للطلاب أثناء العملية التعليمية. فيمكن للمعلّم طرح أسئلة محدّدة (قبل المشاهدة وأثناءها وبعدها) يُطلب من الطلاب الإجابة عنها، ما يخلق لديهم توقعات واضحة حول النقاط الأساسية التي عليهم التقاطها. كما يمكن اعتماد أنشطة تفاعلية مثل “انظر، فكّر، تعجّب” (See, Think, Wonder)، ليُطلب من الطلاب وصف ما يشاهدونه، والتفكير بصوت عالٍ حول معناه، والتعجّب من أسئلة أو فرضيات تتعلّق بالموضوع.
اعتماد لحظات تأمّل وتقويم
من الجيّد التوقّف خلال عرض الفيديو أو بعد الانتهاء منه لإدراج لحظات تفكير وتأمّل، حيث يجيب الطلاب عن أسئلة تقييمية سريعة، أو يدوّنون بخطوط عامة النقاط التي لاحظوها أو التحديات التي واجهتهم. يمكن للمعلم أن يطلب إعداد بطاقة ملخّص (Exit Card) في نهاية الحصة تتضمّن ما تعلّمه الطالب فعلًا من الفيديو، وما لا يزال غامضًا عليه، وذلك ليبني عليها في الحصص اللاحقة.
استخدام الخرائط الذهنية والمخطّطات الرسومية
تساعد الأدوات البصرية كالمخططات الذهنية والرسوم البيانية والخرائط المفاهيمية على تسهيل عملية الفهم والربط بين الأفكار الجديدة. عندما يتابع الطلاب فيديو تعليمي، قد يُطلب منهم، مثلاً، رسم خريطة ذهنية تبيّن صلة المفاهيم ببعضها البعض، أو ملء مخطط (Venn Diagram) إذا كانت هناك حاجة للمقارنة بين فكرتين. هذه الأنشطة تمنع التشتّت، وتشجّع الطالب على تنظيم الأفكار في ذهنه أثناء المشاهدة.
تقييم نتائج التعلّم وتحديد النقاط الغامضة
عقب انتهاء الفيديو، من المهم توجيه الطلاب إلى مراجعة النقاط التي فهموها والتي ما زالت بحاجة إلى توضيح. إذا وجدوا صعوبة في نقطة ما، يمكنهم الرجوع إلى الجزء المتعلق بها في الفيديو أو البحث عن مصادر إضافية. هذا الجانب من “التعلم الذاتي” يعزّز الاستقلالية ويُنمّي مهارات حلّ المشكلات لدى الطالب، فهو لا يكتفي بالتلقّي، بل يبحث ويحلّل ويقارن.
ختامًا، إنّ التعلّم عن طريق الفيديوهات، سواء على منصّة يوتيوب أو أي منصة تعليمية أخرى، يُعتبر إحدى الطرق الفعّالة التي تواكب عصر المعرفة الرقمية. لكن فعاليته الحقيقية لا تتحقق إلا إذا أدرك الطالب أنّ دوره لا يقتصر على تلقي المحتوى بشكل سلبي، بل عليه المشاركة بتركيز ونشاط، واكتساب مهارات أساسية لاستخدام الفيديو كمصدر تعلم شامل. ومن خلال توجيه المعلمين والآباء وتزويد الطلاب باستراتيجيات تقسيم المحتوى، والتوقف المؤقت، والإعادة، وتدوين الملاحظات أو مناقشتها، سنضمن أن يكون التعلّم من الفيديوهات تجربة ثرية وناجحة، مقدّمة بديلًا أو مكمّلًا للدروس التقليدية، ومساهمة في تعزيز كفاءة الطلاب في زمن المعلومات الرقمي.